دراسات إسلامية 

الإسلام شريعة الأمل العالمي

(1/2)

 

بقلم : الأستاذ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي

 

 

       تناولنا كيف جاء الإسلام بشريعة شَملت الوجود الإنساني كله ، ففيها المرونة والحكمة مايُسَاير الوجود الإنساني في كل زمان ومكان وإن لم يضع نظامًا للدولة ولم يأخذ بنظرية للحكم ، إلا أن الادارة التي قامت عليها الجماعة الإسلامية الأولى ، ثم ما جاءت به الشريعة من مبادئ السلوك وقواعد المعاملات والعلاقات الاجتماعية والشورى.. كل ذلك أدى إلى أن يكون الإسلام شريعة الوجود في كل زمان ومكان .

       ولقد وضع الإسلام من القواعد ماتستقيم به الحياة على أي نمط سَوي لايبغي من ذلك غير خير الحياة وخير الإنسان ، وأول ما نستشفه من تلك القواعد صفاء جوهرها وصدقها وأنها تبقي توقير الحياة وإعلاء الكرامة الإنسانية وأنها أوفت لهما على الذروة من خلال الحق وتقديس الحياة(1). ثم إن الإسلام وضع قواعد لاتتصادم مع نواميس الكون ولا مع نظام الحياة ولامع نظرة الناس وهذا ماسنراه الآن من خلال هذا الفصل .

أولاً : حقوق الإنسان في الإسلام :

       الإسلام ينظر إلى حقوق الإنسان على أنها ضرورات لاستمرار الجوهر النقي للإنسان ، وسبق الإسلام النظم الوضعية التي لم تدرك جوهر حقوق الإنسان إلا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1948 بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(2).

       وإذا كانت الحقوق الإنسانية في الإسلام ضرورة فهي ضرورة فطرية للإنسان من حيث هو إنسان وإسلامنا هو دين الفطرة التي فطرنا الله عليها فمن الطبيعي أن يكون الكافل لتحقيق هذه الحقوق(3).

       بل أن الإسلام يُقَدس هذه الضرورات الإنسانية الواجبة إلى الحد الذي نراها الأساس الذي يستحيل قيام الدين بدون توفرها للإنسان ، فعليها يتوقف الإيمان ومن ثم التدين بالدين والتمسك بالإسلام .

       ومن هذه الحقوق التي يقدسها الإسلام :

       1- ضمان الحياة وكرامة البشر : فلقد أعلى الإسلام من شأن الحياة وكرامة البشر. وذلك بأن تقوم السياسة على أسس ثابتة عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهما أسس تَرقَى إلى درجة الالتزام، وإن لم يُشر ااوستاذ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافيلإسلام إلى نوع من التنظيم السياسي أو الإداري الذي تقوم عليه ، فلأنه لم يشأ أن يُلزم الناس بنظام ثابت لايجوز مخالفته حتى لايكون حجة من بعد(4)، فالنظم تتغير وفقًا للزمان والمكان ، أما الروح التي تحكم هذه النظم فهي الباقية وهي المُلزمة وهي الروح التي يقوم عليها الفلسفات السياسية في كل العصور على اختلاف تنظيماتها ، إذ لايختلف عليها إنسان لأنها تنشد خير الإنسان وصالح الجماعة الإنسانية .

       وكرامة الإنسان في الإسلام من كرامة الإسلام ذاته فلا يمكن أن يحتقر إنسان مسلم ولا أن يُهَان ، فالكرامة كرامة إنسانية عامة(5).

       2- حرية الارادة : الإسلام يعترف بحرية كل فرد وبالتالي يعتبره مسؤولاً شخصيًا عن أفعاله كما قال تعالى ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِّزْرَ أُخْرٰى﴾(6) ، فليس هناك إلا حرية واحدة تُهَيمن على حرياتنا وهي حرية الله المطلقة ، بيد أن الله قد نظم العالم طبقًا لقوانين ربانية قادرة على فهم الإنسان(7).

       وتختلف الارادة الحُرة في الإسلام عنها في الفكر الغربي والشرقي ، فيذهب الفكر الإسلامي إلى تقرير المسؤولية تبعًا للارادة الحرة والإدراك الكامل لعلاقة الإنسان بالكون وهي علاقة أزلية غير خاضعة للزمان والمكان ، والإرادة الإنسانية حرة ، والإنسان مسيطر مطلق في نطاق وجوده المحدود(8). وقد زانه الله بالعقل ﴿بَلِ الإِنْسَانُ عَلىٰ نَفْسِه بَصِيْرَةٌ وَّلَوْ أَلْقـٰـى مَعَاذِيْرَه﴾ القيامة آية 14، 15.

       وخلاصة القول بأن الحرية في الإسلام هي «ضرورة إنسانية واجبة» وفريضة إلهية بغيرها لن تتحقق حياة الإنسان كإنسان وهي واجبة لتحقيق وصيانة الحياة التي هي واجبة . كما أنها فريضة إلهية وتكليف واجب على الإنسان يستلزم حريته واختياره(9).

       3- المساواة والعدالة : لايقف الإسلام ضد التقدير الاجتماعي ، ولم يُعْرف عنه أنه اتخذ جانب السلطة ضد الفقراء والكادحين ؛ بل كان عونًا لهم على حقوقهم فأنصفهم قبل أن يَنْصفوا أنفسهم ومن القضاء من وقف في الحق لضعيف ضد الخليفة نفسه، وأنكر الإسلام الطبقية حين نبذ القبلية والعنصرية والتفاخر بالأنساب والأحساب والجاه وسعة الرزق ، والإسلام لم يُنْكر التفاوت في المآثر وفي التمييز العقلي والخلقي ؛ ولكنه سَوىَّ بين الناس جميعًا في إخوة إسلامية جامعة ، ونَبَذَ القبلية والشعوبية ونادى بالدولة العالمية التي تَسود فيها شريعة الحق وقوض تراكم رأس المال والملكية الخاصة بما قرره من أحكامها وسدد ضربة قاضية للرق ، فلم يكن من اليسير في عالم تغلغل الاسترقاق في كيانه تحرير الارقاء تحريرًا كاملاً ؛ ولكن الإسلام وضع السُنَنْ لتحرير الرقيق والقضاء على تلك العادة المرزولة(10).

       وأيضًا جاء الإسلام وأعلن المساواة التامة بين البشر، وحرر الكادحين من ظلم المستغلين، وقضى على الفروق الطبقية والتمايز العنصري والديني، وجعل الناس سواء أمام القانون وأمام شريعته وعلى درجة عظيمة من المرونة والبساطة والقدرة على التطور تبعًا لتطور الحضارة وتقدمها .

       وينظر الإسلام إلى وحدة الوجود الإنساني بصفتها مجتمعًا إنسانيًا واحدًا تسوده المساواة والعدالة ، كما تسوده وحدة الضمير ووحدة الأخلاق ولايكتمل هذا المعنى في أي رسالة وأيضًا جاء الإسلام وأعلن المساواة التامة بين البشر، وحرر الكادحين من ظلم المستغلين وقضى على الفروق الطبقية والتمايز العنصري والديني، وجعل الناس سواء أمام القانون وأمام شريعته وعلى درجة عظيمة من المرونة والبساطة والقدرة على التطور تبعًا لتطور الحضارة وتقدمها .

       وينظر الإسلام إلى وحدة الوجود الإنساني بصفتها مجتمعًا إنسانيًا واحدًا تسوده المساواة والعدالة ، كما تسوده وحدة الضمير ووحدة الاخلاق، ولايكتمل هذا المعنى في أي رسالة سماوية كما اكتمل في الإسلام. ولدينا في التاريخ الإسلامي آلاف الآلاف من المواقف التي نبذ فيها أي إخلال بمبدأ المساواة والعدالة، فظلت أُسس راسخة من دعائم المجتمع الإسلامي بل أصبحت العدالة على أغلب الكتاب القيمة العليا في المجتمع الإسلامي التي تَخْرُج منها القيم الأخرى كافة(11).

       ومما سبق يتضح أن الإسلام جَبَّ بمبدأ المساواة أي تمايزه يمكن أن يدعيه الإنسان على الإنسان إلا في التقوى ، أما الإخاء الإسلامي فهو أكثر إتصالاً بما تعنية وحدة الوجود الإنساني ، فالإخاء الإنساني لايقف بمدلولة ضد الحدود المألوفة للمعنى الدارج من حيث التكامل والتعاون بين الناس على السواء ؛ ولكنه يتخطاه إلى المعنى الرحب الفسيح في الإخوة البشرية على المستوى الإنساني العام(12).

       والظُلم في الإسلام رزيلة اجتماعية كبيرة تفوق في آثارها الممتدة الكثيرَ من الفواحش ، كما أن حدود العدل الإسلامي لايقف بها الإسلام عند القانون وإنما هو شامل للحياة المادية والاجتماعية، والعدل كضرورة إنسانية واجبة على كل مسلم ، كما أن العدل الاجتماعي واجب وفريضة وليس مجرد حق من الحقوق(13).

       4- التوازن بين المصلحة الخاصة والعامة : بعض النظم السياسية تعطي الفرد من الحريات ما يطغى به على مصلحة المجموع ، وبعضها يعطي المجموع مايطغى به على النشاط الفردي . ولكن الإسلام يعطي الفرد حقه والجماعة حقوقها، وينسق بينهما خير تنسيق. وهو بهذا يكفل جميع أنواع الحريات في تنظيم دقيق يشمل حرية المُلك والعقيدة والمسكن والنقل..(14) الخ.

       كما أن الإسلام يخاطب الناس كافة ﴿يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ ، الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَآءَ بِنَاءً وَّأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِه مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾ (البقرة الآيات 21-22) وواضح حرص القرآن على مخاطبة الناس جميعًا ويذكرهم بنعمة الله الأساسية خصوصًا، وأن هذه النعم مشاع بين الناس جميعًا، فلا يجب أن يستأثر بها ويحتكرها أفراد لأنفسهم ويحرمون الآخرين فكيونون ظالمين طاغين مُبَدلين للأوضاع العادلة التي أرادها الله للناس جميعًا(15).

       والإسلام يدعو للمواءمة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ، فالأصل المصلحة الخاصة بشرط الابتعاد عن ثلاثة ترمز للضرورة : الماء والكلأ والنار وهي مشاع بين جميع الناس ومثلها أي حاجات ضرورية . ومن هنا فإن المصلحة الخاصة التي لاتختلف مع المصلحة العامة ضرورة مقدسة للإنسان وحق من حقوقه بدون غبن المصلحة العامة أو إنتقاص حقوق الآخرين(16).

       5- حقوق أخرى(17) باختصار شديد:

       الشورى : وفيها الأمة وبهامصدر السلطات في الدولة وتنظيم المجتمع وتنمية العمران والشورى فلسفة الحكم الإسلامي ومنهج سياسة الرعية وطريق السلوك السوى للفرد والأسرة والمجتمع وهي فريضة إلـٰـهية وضرورية شرعية .

       القصاص: من قتل نفسًا فكمن قتل الأنفسَ جميعًا، وأصبح على الجماعة الإسلامية أن تقتص للقتيل، وتوقع العقاب على القاتل. وما من دم يذهب هدرًا في الإسلام والقصاص يؤدي إلى توفير الحياة البشرية وأصون للنظام الإجتماعي .

      الحرية الدينية : لايُكْرَه أهل الديانات أو المشركون على الدخول في الإسلام فلا إكراه في الدين . وهذه حرية ليست مباحة أو متاحة في أي عقيدة أخرى .

       الحرية الفكرية : دعا الإسلام إلى التفكير في كل شيء حتى في خلق السموات والأرض والإنسان. وذلك من منطلق أن العقل خاصة الإنسان وامتيازه وشرفه ولان التفكير فطرة الإنسان وعمل العقل ورسالته .

       إلى غيرها من الحقوق التي يتمتع بها الإنسان في ظل الإسلام .

     ثانيًا : الاقتصاد الإسلامي :

       أعطى الإسلام للإنسان جميع الحقوق الاقتصادية منها حق العمل وحق الكسب والسعي في الحياة وحق التملك وغيرها من الحقوق .

       وينبع النظام الاقتصادي في الإسلام من ارتباطه الوثيق بالفلسفة الفكرية والاجتماعية الإسلامية ، وهي فلسفة – كما أسلفنا ، تقوم على أساس الاستجابة للفطرة الإنسانية ، مع تهذيبها والاتجاه بها إلى الاعتدال ، فبينما تقوم المجتمعات الرأسمالية على أساس أن الفرد كائن مقدس لايجوز للمجتمع أن يمس حريته ، ولهذا تُبَاح فيها الملكيات الفردية بلا حدود ، وبينما تقوم المجتمعات الشيوعية على أساس أن المجتمع هو الأصل ولاكيان للفرد وحده ولهذا تضع الملكية في يد الدولة ممثلة المجتمع وتحرم منها الأفراد(18)؛ ولكن الإسلام يرى الإنسان ذا صفتين في نفس الوقت ، صفة كفرد مستقل وكعضو في الجماعة والإسلام لايفصل بين الصفتين ولايجعلهما نقيضين وإنما يوازن بين النزعتين ، النزعة الفردية والنزعة الجماعية دون أن تَجور إحداهما على الأخرى ، كما يوازي بين مصالح كل فرد وغيره من الأفراد الذين يكونون المجتمع .

       ومن ثم فان إقتصاديات الإسلام تمثل هذه النظرية المتوازنة المعتدلة التي تقع بين الرأسمالية والشيوعية وتلتقي بأفضل مافي النظامين دون الوقوع في إنحرافاتها فهي تُبيح الملكية الفردية من حيث المبدأ؛ ولكنها تضع لها الحدود التي يمتنع بها الضرر وتبيح للمجتمع أو ممثله أن يسترد هذه الملكية أو يُعَدلها أو يُحَددها كلما حقق ذلك مصلحة المجتمع(19).

       ولهذا فإن الإسلام لايضيق بالملكية الفردية مادام يملك إلغاءها أو تعديلها في وقت الحاجة إلى ذلك ، ولهذا أيضًا فان وجود الملكية الفردية مع وجود حق الدولة في السيطرة عليها خير من إلغائها بتاتًا لأن الإلغاء يتصادم مع فطرة الإنسان. ومن ثم فاباحتها وإناطة تحديدها لحكم الظروف المحققة للمصلحة العامة لهو خير للفرد والمجتمع على سواء . ولهذا فان الملكية الفردية لايمكن أن تؤدي إلى الرأسمالية أو الإقطاع في الإسلام وهذا سر روعة النظام الاقتصادي الإسلامي(20).

       ومما يمتاز به الاقتصاد الإسلامي أن الرؤية الإسلامية تنظر إلى النشاط العمراني في كل ميدان من الميادين على أنها وحدة ومنفعة للإنسانية في ميدان الزراعة وفلاحة الأرض والتصنيع والتجارة واستثمار الأموال ورسم المنهج السديد ليسير الناس عليه . وهو العمل الدائب في سائر مجالات الحياة ، فليس من هدي الإسلام أن يتواني الإنسان ويكسل ولايسعى ولايعمل وهو قادر على السعي والعمل ثم يَزْعُم أنه مُنْقَطع للعبادة(21) ولذلك فلا رهبانية في الإسلام لأن العمل والكدح هما في الإسلام عبادة لاتقل عما سواها من العبادات ، ولأن الإسلام دين الفطرة والطبيعة ، والاتجاه للرهبنة والتبتل يُعَطل مامنحه الله للإنسان من قوي التفكير والإرادة والعمل(22). كما يُبْقى ذلك أسرار الكون ومنافحه كامنة ، وقد سخرها الله جميعًا للإنسان وسلطه عليها ومهد له الطريق لإظهار عمارة الكون ﴿وَقُلِ اعْمَلُوْا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُوْلُه وَالْمُؤْمِنُوْنَ﴾ التوبة آية 105، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلاَّ مَاسَعىٰ﴾ النجم 39.

       كما أن الدنيا في التصور الإسلامي الصحيح مزرعة للآخرة ، فلا تصلح آخرة امرء إلا إذا صحت دنياه ، وسَنُحاسب في الآخرة على التفريط في إصلاح الدنيا . فالعمل الطيب في الدنيا وسيلة لصلاح حياة صاحبه في الآخرة كما هو وسيلة لصلاح دنياه(23).

       كما اهتم الإسلام بالناحية المادية لدى المسلم كاهتمامه بالناحية الروحية ، فداعانا الإسلام إلى الاهتمام بزينتنا، ﴿يَابَنِيْ آدَمَ خُذُوْا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَّكُلُوْا وَاشْرَبُوْا وَلاَتُسْرِفُوْا إِنَّه لاَيُحِبُّ الْمُسْرِفِيْنَ، قلْ مَنْ حَرَّمَ زِيْنَةَ اللهِ الَّتِيْ أَخْرَجَ لِعِبَادِه وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ الاعراف 31-32. كما قال تعالى ﴿كُلُوْا مِنَ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُمْ﴾ البقرة 57، وذلك ينبع من طبيعة الحياة الدنيا لأنها دار جمال وزينة ومتاع بكل طيب مع إمتزاج متاعها بشيء قليل من أسباب الألم والخوف والجوع لتكون في وضعها الذي أراده الله دارًا للابتلاء والاختبار وبهذا يجمع بين الأجسام والأرواح ، والدنيا والآخرة والماديات والمعنويات ، وبهذا يظل الإسلام أكمل دين يَصْلُح للإنسانية جمعاء ويواءم بين جميع الظروف والبيئات المختلفة ويساير طبيعة الإنسان(24).

       كما طلب الإسلام من الناس ألا يقعوا تحت تأثير المال لأن المال مجرد وسيلة للحياة وليس هدف وغاية منها وإنه زينة للحياة الدنيا ويمكن أن يكون وسيلة لرفاهية المجتمع كله ، فصاحب رأس المال مُوكْل من قبل الحق عز وجل لادارة هذا المال ولذا عليه أن يقوم بسداد حاجة المجتمع من هذا المال عن طريق الزكاة كفريضة وغيرها من الصدقات .

       ولقد نبع الموقف الاقتصادي للاسلام من أن القرآن قد قرر مايعرفه الله من طبيعة الانسان ومن تسلط الشهوات عليه ومن حبه للمال ومباهاته به وحرصه على جمعه وكرهاً للإنفاق منه . وأمر الإسلام بنظام كامل للمواريث حتى لاتُهْضَم حقوق جميع الأهل والعائلة والأسرة ، كما حرم الربا تحريمًا قاطعًا وهذا الحكم كاف لإقامة نظام إقتصادي قائم بذاته .

       ورغم كل ذلك فان النظام الاقتصادي الإسلامي يشمل أُسس ثابتة راسخة نحو المجتمع المستقر والمتقدم دائمًا ، وهذه الأسس ثابتة ولكن هناك متغيرات كثيرة قابلة للتطور طبقًا لمتغيرات الإنسان في كل زمان ومكان في نطاق الأسس الاقتصادية الإسلامية .

*  *  *

الهوامش :

(1)          د. حسين فوزي النجار: مرجع سابق ص 95-96.

(2)          راجع: محمد عبد الشافي اللبان : حقوق الإنسان المعاصر (القاهرة – هيئة الاستعلامات – بدون).

(3)          د. محمد عمارة: الإسلام وحقوق الإنسان (الكويت – عالم المعرفة – العدد 89 ، مايو 85) ص 7 .

(4)          د/ حسين فوزي النجار: مرجع سابق ص 99.

(5)       ويرى د. عبد الله شحاته في كتابه علوم الدين الإسلامي «أن الإسلام جاء والكرامة الإنسانية وقف على طبقات معينة وعلى بيوت خاصة وعلى مقامات معروفة ، أما الجماهير فلا وزن لها ولاقيمة فقال الإسلام كلمته المدوية أن كرامة الإنسان مستمدة من إنسانيته لأن أي عرض آخر كالجنس أو اللون أو الطبقة أو الثروة أو المنصب أوغيرها من تلك الأغراض الزائلة والحقوق الأصلية للإنسان مستمدة من تلك الإنسانية . ولقد كرم اللہ الإنسان فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وميزه بالعقل وبالفكر والارادة، والاختيار فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِيْ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيْرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلاً الاسراء آية 70 ص 273-274.

(6)          الانعام آية 164.

(7)          د. محمد عزيز الجبالي : الشخصانية الإسلامية (القاهرة – دار المعارف – 83) ص 133.

(8)          د. حسين فوزي النجار: مرجع سابق ص 314-315.

(9)          راجع في ذلك د. محمد عمارة: مرجع سابق ص 18-30.

(10)      د. حسين فوزي النجار: مرجع سابق ص 289-290.

(11)      راجع د. حامد ربيع: نظرية القيم السياسية (نهضة الشرق – القاهرة – 73) ص 101 .

(12)      د. حسين فوزي النجار: مرجع سباق ص 93-95 .

(13)      رادع في ذلك د. محمد عمارة: الإسلام وحقوق الإنسان: مرجع سابق ص 55-68 .

(14)      محمد الغزالي: مع الله : دراسات في الدعوة والدعاة: (القاهرة – دار الكتب الإسلامية – 85) ص 312.

(15)      عبد المنعم خلاف : مرجع سابق ص 28 .

(16)      راجع: العقاد: الإنسان في القرآن (القاهرة – دار الاسلام – 73) ص 119.

(17)      راجع في ذلك : د. محمد عمارة: الإسلام وحقوق الإنسان (مرجع سابق).

أنور الجندي: أحاديث إلى الشباب في ضوء الإسلام (سلسلة دراسات في الاسلام – العدد 165-174)، ذكريا البري: حقوق الإنسان في الإسلام (بدون – القاهرة – المجلس الاعلى للشؤون الإسلامية)، د. رؤوف شلبي دبلوماسية الدعوة الإسلامية (القاهرة – المجلس الاعلى للشؤون الإسلامية – فبراير 86)، د. عبد الغني عبود: الإنسان ، وفي الإسلام والإنسان المعاصر (القاهرة – دار الفكر العربي – 78)

(18)      راجع في ذلك : فتحي رضوان: الإسلام والمذاهب الحديثة (القاهرة – سلسلة اقرأ – العدد 415) .

(19)      د/ النعمان عبد المجيد القاضي: الإسلام عقيدة وحياة (مرجع سابق ص 90-91).

(20)      المرجع السابق ص 81-85.

(21)      د. عبد الرحمن النجار: كلمات على طريق الإيمان : مرجع سابق ص 33-35.

(22)      د. أحمد شلبي: الإسلام: مرجع سابق ص 138-139.

(23)    لمزيد من التفاصيل في هذا الموضوع راجع: عبد المنعم خلاف: المادية الإسلامية: مرجع سابق ص 16-18، د. عبد الهادي النجار: الإسلام والاقتصاد – الكويت – سلسلة عالم المعرفة – عدد 63)، منى رضوان: الإسلام والمذاهب الحديثة – مرجع سابق .

(24)      محمد الغزالي : مع الله : مرجع سابق ص 311.

 

 

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1427هـ = أبريل – مايو 2006م ، العـدد : 3–4 ، السنـة : 30.